حكايات متنوعة

“ما هي كوسة بقى؟”… القصة الحقيقية وراء التعبير المصري الشهير عن المحسوبية والوساطة

في الحياة اليومية المصرية، كثيرًا ما نسمع التعبير الشعبي:
“كوسة!” أو “كلها كوسة!”
تعبير يُستخدم للتعبير عن الوساطة والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص، خصوصًا لما نشوف حد “بيعدي الطابور”، أو بياخد شيء دون وجه حق.

لكن… هل تساءلت يومًا:
ما علاقة الكوسة بالفساد الإداري؟
ولماذا تحديدًا هذه الخضار ارتبطت بهذا المعنى السلبي؟


القصة تعود إلى عصر المماليك والفاطميين

تعود أصول هذا التعبير الشهير إلى العصور الوسطى، وتحديدًا في عهد المماليك والفاطميين في مصر.
في تلك الفترة، كانت أبواب مدينة القاهرة تُغلق ليلاً، وتُفتح صباحًا أمام قوافل التجار الذين يصطفّون في طابور طويل على بوابات المدينة لدخول الأسواق بعد دفع الرسوم الضريبية على بضائعهم.

وكان كل تاجر ينتظر دوره لدخول المدينة حسب ترتيب الوصول. وكان هذا النظام يُطبّق على الجميع دون استثناء، ما عدا… تجار الكوسة!


لماذا الكوسة كانت تُعامل معاملة خاصة؟

السبب كان بسيطًا جدًا، لكنه ترك أثرًا عميقًا في الذاكرة الشعبية:

الكوسة من الخضروات الحساسة سريعة التلف، ومعرّضة للذبول السريع بسبب الحرارة والتخزين.

ولهذا السبب، كان يُسمح لبائعي الكوسة بتجاوز الطابور والدخول مباشرة إلى الأسواق قبل الآخرين، حفاظًا على جودة بضاعتهم.

ورغم أن هذا القرار كان له ما يبرره من ناحية الحفاظ على جودة المنتج، إلا أن باقي التجار بدأوا بالتذمّر من هذا الاستثناء، معتبرينه نوعًا من التمييز أو المحاباة.

وهنا بدأ الناس يستخدمون تعبير “كوسة” كمجاز للتعبير عن أي حالة يتخطى فيها أحدهم القواعد أو الأنظمة بسبب علاقات أو محسوبية، وليس عن استحقاق.


من تعبير فُكاهي إلى رمز للفساد

مع مرور الزمن، تحول التعبير من وصف لحالة بسيطة إلى رمز شعبي ساخر يُستخدم في:

  • المؤسسات الحكومية
  • الوظائف العامة
  • القبول في الجامعات
  • حتى في الفن والرياضة والإعلام

إذا حصل شخص على وظيفة دون مؤهلاته، يقال: “دخل بكوسة”.
وإذا تم تفضيل شخص في مسابقة أو فرصة، تجد الناس تعلق: “كوسة، أكيد عنده واسطة”.


لماذا ما زال التعبير حيًا حتى اليوم؟

لأن مفهوم الواسطة والمحسوبية ما زال موجودًا في كثير من المجتمعات، والتعبير عن الظلم بطريقة ساخرة وخفيفة هو أحد طرق تفريغ الغضب لدى الناس.
وتظل كلمة “كوسة” من أكثر الكلمات انتشارًا في اللهجة المصرية، ورمزًا مختصرًا للفساد المقنن بلمسة خفيفة الدم.

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى