حكايات حول العالم

غدر الطبيعة يدفن ألف مواطن سوداني تحت الطين
جبل مرة… مأساة قرية ابتلعتها الأرض

ابتلعت الأرض قرية ترسين في جبل مرة بإقليم دارفور، غرب السودان، في واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البلاد الحديث؛ حيث طُمِر نحو ألف شخص تحت الصخور والطين في لحظات، ولم ينجُ سوى شخص واحد، ليَروي مأساة اختفاء قرية بأكملها.

قال الناجي الوحيد إن الانزلاق الأرضي وقع بالتزامن مع أمطار غزيرة، وإنه سمع صرخات النساء والأطفال قبل أن يُطمر كل شيء. واليوم، لم يتبقَّ في ترسين أي شيء، لا بيوت ولا أشجار ولا أي أثر للحياة، بل صمت يُشبه صمت المقابر.

ردود فعل
عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة «جيش تحرير السودان»، قال إن قرية ترسين «مُسحت من الوجود تماماً»، وطالب بانتشال الجثث العالقة قبل تحللها، في حين أعلن «مجلس السيادة الانتقالي» الحداد العام، وأكّد عزمه تقديم الدعم لضحايا الكارثة.

وقال حاكم إقليم دارفور، المُكلّف من قِبَل الحكومة الموالية للجيش، مني أركو مناوي، إن الحادثة «أكبر من طاقة أهل المنطقة»، وإن الإمكانات المحلية لا تكفي لمواجهة هذا الحجم من الدمار.

ووصف رئيس وزراء حكومة «السلام» الموالية لـ«الدعم السريع»، محمد الحسن التعايشي، ما جرى بأنه «مصاب جلل»، يستدعي تضامن كل السودانيين، وقال إنه اتصل بنور، قائد حركة «تحرير السودان»، وأبلغه استعداده لتقديم المساعدات، في حين اعتبر أحد قادة ثوار دارفور الطاهر حجر الكارثة «جرس إنذار للدولة والمجتمع الدولي».

وطالب المتحدث باسم «المنسقية العامة للنازحين واللاجئين»، آدم رجال، بتحرك دولي عاجل، في حين دعا التحالف المدني لقوى الثورة «صمود» بتشكيل غرفة طوارئ مستقلة لإدارة الكوارث بعيداً عن التجاذبات السياسية.

كارثة متجددة
هذه المأساة ليست الأولى في جبل مرة، ففي عام 2018 شهدت قرية تربا انزلاقاً أرضياً أودى بحياة 20 نازحاً، وإصابة أكثر من 50 آخرين، فيما لا يزال 6 مفقودين حتى الآن، ووقتها فقدت أسر كاملة أبناءها، مثل أسرة سيف الدين عبد الكريم التي خسرت 6 أفراد دفعة واحدة.

يجدر بالذكر، أن منطقة جبل مرة لا تخضع إدارياً وسياسياً للحكومة السودانية، ولا لسلطة حاكم الإقليم، أو سلطة الحكومة المدعومة من «قوات الدعم السريع» التي جرى تشكيلها حديثاً في مدينة نيالا، وذلك منذ اندلاع حرب دارفور الأولى عام 2003.

من ملاذ إلى فخ
ويتكوَّن جبل مرة من مجموعة قمم بركانية، يبلغ ارتفاعها نحو 3 آلاف متر فوق سطح البحر. وتقع في وسط إقليم دارفور، وهي منطقة تسكنها قبيلة الفور التي اشتُق اسم الإقليم منها.

وتمتد سلسلة جبل مرة مئات الأميال، من مدينة كاس جنوباً إلى ضواحي الفاشر شمالاً، وتغطي مساحة تُقدَّر بنحو 12.800 كيلومتر مربع. ويُعد جبل مرة ثاني أعلى قمة في السودان، إذ يبلغ ارتفاعه نحو 10 آلاف قدم فوق مستوى سطح البحر.

وبسبب ارتفاعها، فإن مناخ المنطقة معتدل، وتهطل عليها الأمطار طوال فصول السنة تقريباً، وتنمو فيها الكثير الأشجار، مثل الموالح والتفاح والأشجار الغابية المتشابكة.

وعبر التاريخ كانت منطقة جبل مرة ملاذاً للهاربين من نيران الحروب يحتمون بكهوفها وشعابها، لكنها تحولت اليوم إلى فخ قاتل.

ترادف المآسي
تُضاف كارثة ترسين إلى سجلّ المعاناة الذي يعيشه سكان دارفور منذ اندلاع الحرب الأولى في الإقليم عام 2003، وصولاً إلى النزاع الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع» منذ 15 أبريل (نيسان) 2023.

وطوال أكثر من 20 عاماً، ظل سكان الإقليم يعيشون حروباً وحصاراً ونزوحاً متطاولاً، وتحيط بهم المجاعات التي تُهدد حياة الملايين، وتضربهم الأوبئة والأمراض، في حين يحصد وباء الكوليرا الناس هناك بضراوة الآن، في ظل انهيار شبه كامل للبنى الصحية، لتكمل الكوارث الطبيعية دورة المأساة بـ«ابتلاع قرية كاملة».

نداء أخير
«هذه الكارثة يجب أن تهز ضمير العالم أجمع»، كما يقول آدم رجال، المتحدث باسم «المنسقية العامة للنازحين»، لكنها حتى الآن لم تُقابل سوى ببيانات تعاطف رسمية، في حين يواصل الأهالي، بأيديهم العارية، البحث عن جثث أحبّائهم تحت الركام.

ويضيف: «في جبل مرة، يختلط الموت الناتج عن الحرب بالموت القادم من الطبيعة، وما بين رصاص الميليشيات وطين الجبال، يبقى المدني السوداني هو الخاسر الأكبر، تُطوى قصصه بصمت، ويُختزل في أرقام وإحصاءات»

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى